بقلم كارو قيومجيان
لم ينسى الشعب الأرمني طوال فترة حياته الذكرى الأليمة للمجازر التي تعرض إليها وعلى رأسها الإبادة
الأرمنية في 1915، وفي هذه السنة يكون قد مر عليها 107 سنوات، لكن وبالرغم من المرارة الكبيرة استطاع
هذا الشعب وفي كل أرجاء العالم حيثما وصل أن يعيد دورة الحياة ويقف على أرجله ويقدّم نموذجاً للحياة لكل
الشعوب الحية.
ما دعاني إلى إستذكار مأساة الإبادة الأرمنية ليست الذكرى السنوية التي تصادف 24 نيسان بل النتائج الأليمة
للعدوان التي شنّته أذربيجان بمؤازرة تركيا على آرتساخ (جمهورية ناغورنو كاراباغ)
والتي دامت 44 يوماً فى 27 سبتمبر الى 9 نوفمبر 2020.
يجب أن نعترف بأننا خسرنا معركة لكننا لم نُهزم ولم نيأس، لأن موازين القوى لم تكن متكافئة بالدرجة الأولى
لقد غدرتْ بنا جهات كثيرة، كنا في ورشة إصلاح سياسية واقتصادية داخلية حينما فاجأونا بهجوم مباغت،
ولكن الجيش الأرمني وقف وبصلابة أمام جحافل الجيش الأذري المعتدي، الذي ساندته تركيا بالطائرات المسيرة وبالظباط و الخبراء و المحاربين المرتزقة..إلخ، لقد كنّا وحدنا في المعركة.
صحيح أنهم إستولوا على أجزاء كبيرة من أراضينا لكنهم لم يستطيعوا أن يزعزعوا ثقتنا بحقوقنا، بل زادتنا
هذه الحرب إصراراً وقوة، وكما الحال في سائر الحروب والمواجهات، قد نخسر جولة لكن الجولات لم تنته..
أمامنا تجربة شعوب تعرّضت إلى هزائم بشعة، كما حصل مع الشعب الياباني في الحرب العالمية الثانية أو
كما جرى مع الشعب الألماني بعد أن تخلّص من إرث النازية.
اليابان إستعادت قوتها ولم تستسلم بالمعنى الروحي والإيماني، وقرّرت أن تعيد إحياء مجدها وركزت على
التعليم والإقتصاد والتكنولوجيا وها هي اليوم في مصاف الدول المتقدّمة السبع على المستوى العالمي و
اليابان اليوم حقّقت معجزة اقتصادية وتعيش أوضاع أفضل بكثير من الذين انتصروا عليها في الحرب.
نحن بحاجة إلى إستلهام الدروس والعبر من حرب الـ 44 يوماً، دروس موجّهة للشباب الأرمني لكي يتعلّم من
اليابان وغيرها من الدول. نحتاج إلى “ثورة من الداخل” نجدّد فيها العهد على أن الشعب الأرمني قادر على
العطاء والإبداع وبإستطاعته أن يكون رافداً لكل الأمم والشعوب، بعلمه وبقدرته على أن يصنع السلام ليحمي
بلده ويدافع عنها.
يجب أن نبني المصانع والصروح بعقول و أيادي أرمنية بأرمينيا، فقد حقّق هذا الشعب في البلدان التي يعيش
فيها أعمالاً مبهرة، في مجال الموسيقى والتكنولوجيا والصناعة ولذلك ليس غريباً أن تتحول أرمينيا إلى ورشة بناء حديثة.
لم تكن الحروب يوماً وسيلة للعيش الرغد وغالباً ما يعقبها فترة إستنهاض تعيد فيها الدول بناء ما دمّرته الآلة
العسكرية وتستنهض همم شعبها وتنظر إلى المستقبل بتفاؤل فلقد عقد الأرمن العزم على الصمود والنهوض
ببلدهم من الوطن و المهجر، والتغلب على ما كتبه الدهرعليهم.
نحن لسنا من دعاة الحروب بل ننشد السلام لنا ولجيراننا، ولكن يجب أن نستعّد ونبني ونقوي جيشنا
ومجتمعنا لمواجهة الأسوء، وكما قال أحد الحكماء: “يد تبني وأخرى تحمي وتدافع” .
معركتنا ليست على الجبهة الحدودية بالمعنى العسكري، بل بالداخل الأرمني، علينا أن نحوّل الخسارة إلى
تحدّي، وهنا تكمن العظمة. تاريخنا ليس ببعيد، فنحن خرجنا من أسوأ أزمة يتعرّض لها شعب مسالم وحر،
خرجنا من تحت الرماد والأنقاض، ومضينا نبني ونتعلّم ونعمل دون كلل، وهذا ما ندعو إليه الآن. يجب أن
نجدّد العزيمة للوصول المكانة التي نستحقها في قائمة الدول المتحضرة والمتقدّمة والتي وفّرت لشعوبها الراحة
والأمان والرفاهية.
الكويت