في غزّة “أينما ولّيت وجهك.. كل شيئ قابل للانفجار”، الترويج لصفقة القرن، تمادي الإدارة الأميركية في محاولاتها تصفية القضية، المصالحة الفلسطينية/الفلسطينية المتزعزعة، الوحشية الإسرائيلية المتزايدة باضطراد، الظروف المعيشية المتردية، وكل الأحداث السياسية والعسكرية في المنطقة خاصة بعد ما سمي بالربيع العربي، كأن كل شيء يقول للفلسطيني المحاصر في القطاع “حاصر حصارك لا مفر”.
“قلب الطاولة”، ربما كانت هذه الجملة تختزل في مضمونها كل ما يصبو الفلسطينيون أن ينجزوه من خلال مسيرة كبرى وطنية متجاوزة للاختلافات السياسية، يلتقي فيها الفلسطينيون بمختلف مكوناتهم على القضية الجامعة المتمثلة في عودة اللاجئين.. مسيرة شعبية وطنية تتصدرها العائلات برجالها ونسائها وأطفالها وشيوخها وتشارك فيها بإيجابية كل مكونات المجتمع الفلسطيني والمناصرون الأحرار من كل دول العالم.
الإعلان عن مسيرة العودة الكبرى المرتقبة يوم غد الجمعة، وإدراك إسرائيل أن الوضع في قطاع غزة قابل للانفجار قريباً في ظل كل الظروف التي تحيط بالقطاع والقضية الفلسطينية والمنطقة عموماً، جعل موضوع مسيرة العودة موضوع التباحث الرئيسي في المستويين العسكري والسياسي الإسرائيلي.
التباحث الإسرائيلي لم يسفر إلا عن مزيد من التخبط، فتارة تدعو الحكومة الإسرائيلية مستوطنيها إلى حمل الأسلحة تأهباً لأي طارئ، وتارة ينبّه رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غادي آيزنكوت من أن القابلية العالية لانفجار في الساحة الفلسطينية “تفرض على الإسرائيليين الحفاظ على يقظة دائمة، والالتزام بالعمل بحزم وبقوة وإثبات التفوق”، وتارة يحذّر أوفير جندلمان الناطق باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من اقتراب الفلسطينيين من السياج الفاصل، مهدداً إياهم بأن “الرد سيكون قوياً”.
في الأيام السابقة، وعلى خلاف العادة، لم تحمل الطائرات الإسرائيلية لقطاع غزة الصواريخ والقذائف فقط، بل أرفقتها بمنشورات تحذر من المشاركة في المسيرة المرتقبة.
وانطلاقاً من “الخوف من انفجار”، و”هاجس التفوق”، سارعت إسرائيل لاتخاذ إجراءات “وقائية” سياسية عبر اتصالات سرية مع الأردن ومصر والفلسطينيين بهدف “منع التصعيد في مسيرة العودة”، واتخذت تدابير عسكرية، من جملتها وضع عشرات القناصين على حدود القطاع، بمن فيهم قناصون من الوحدات الخاصة، وأكد ضباط كبار أنه “سيتم تعزيز المنطقة بعدة كتائب من الجيش، بالإضافة للشرطة ولحرس الحدود، وسيتم استخدام كافة الوسائل المطلوبة”، بحسب صحيفة إسرائيل هيوم.
الإجراءات الإسرائيلية المكثفة، واجهها ناشطون فلسطينيون وعرب على مواقع التواصل الاجتماعي بالـ”سخرية”، وربما نال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، القسط الأكبر منها، في معرض تعليقات الناشطين على تغريداته في موقع تويتر.
أدرعي الشخصية الإسرائيلية الأكثر استفزازاً على مواقع التواصل الاجتماعي، حاول استعراض قوة مؤسسته العسكرية، متجاهلاً صورتها التي اهتزت باختراق الشبان الفلسطينيين السياج الفاصل قبل أيام، لذا لم يواجهه الناشطون بالشتائم هذه المرة، إنما اكتفوا بالاستهزاء منه ومن محاولاته تسفيه دوافع المسيرة والإدعاء بأنها مسيرة مطلبية معيشية وليست سياسية وطنية، معتبرين أنها تعكس التخوّف الإسرائيلي من تبعات المسيرة المرتقبة يوم غد.